من سيدات نساءالعا لمين خديجة بنت خويلد

السيدة خديجة اول زوجات النبى صلى الله عليه وسلم

حتى تكتمل الصورة وتتضح المعالم , لا بد من استعراض الأمور من أولها .. من تلك الأيام التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش فيها حياته بالكدح والعمل سواء برعي الغنم أو بالتجارة التي كانت سبب لقائه مع خديجة وبداية تعارفه مع سيدة نساء قريش . فقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلم صدر شبابه بالكدح في طلب الرزق , فاشتغل برعي الغنم الذي كان بمثابة الأعداد والتدريب له لقيادة الأمم وتوجيهها وهدايتها, وكان يقول صلوات الله عليه ويلـــــــــــــد = : " ما بعث الله نبيا الاّ راعي غنم , فقال له أصحابه : وأنت يا رسول الله؟ قا ل: وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط . رواه البخاري . وشب رسول اللهصلى الله عليه وسلم يكلأه الله ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعايبها لا يريد من كرامته ورسالته حتى صار أفضل رجال قومه مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم حسبا وأحسنهم جوارا وأصدقهم حديثا وأعظمهم أمانة وحلما وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما . وما رئي ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى سماه قومه الأمين لما جمع الله له من الأمور الصالحة فيه .
= لما بلغ صلوات الله عليه خمسا وعشرين وليس له بمكة اسم الا الأمين , قال له عمه أبو طالب : هذه عير قومك قد حضر خروجها الى الشام , وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها فيتجرون لها في مالها ويصيبون منافع , فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت اليك وفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من طهارتك وان كنت لأكره أن تأتي الشامل ’ وأخاف عليك من يهود ولكن لا نجد من ذلك بد , وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة بعثها بها الى الشام وتستأجر الرجال وتدفع اليهم المال مضاربة وكانت قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا فليس عندهم بشيء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : فلعلها ترسل اليّ في ذلك .

= وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له , وقبل ذلك بلغها صدق حديث محمد وعظم أمانته وكرم أخلاقه فقالت : ما علمت أنه يريد هذا , ثم أرسلت اليه فقالت : دعاني الى البعثة اليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك , وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك , فواق رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرض خديجة وخرج مع غلامها ميسرة الى الشام , ولماوصلا نزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صخديجة بنت خويلد


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين ". رواه البزار والطبراني .

= سيدة شريفه يعرفها كل مسلم ويعرف فضلها ومكانتها وعلو قدرها , أم المؤمنين وسيدة نساء هذه الأمة , علم شامخ من أعلام النساء في تاريخنا ومنارة مضيئة عبر المسيرة الاسلامية منذ أن أضاء الاسلام جبال مكة وهضابها ووديانها الى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

= سيدة ثرية صاحبة سؤدد وشرف وجاه عريض في قومها , تتمتع بشخصية مميزة رفيعة , أكثر سادة قريش وأشرافها رغبوا فيها وطلبوا ودها لكنها كانت ترفض وتأبى لأنهم كانوا يطمعون في مالها وجاهها وثرائها , وما أن رأت في رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الكامل للانسان الذي جمع أمهات الفضائل والأخلاق وعناصر الشرف والرجولة والمروءة حتى انساقت بعاطفة جياشة نحوه وتولدت لديها رغبة عارمه اليه وانهارت شخصيتها وتلاشت أمام شخصية محمد صلى الله عليه وسلم مما جعلها تعرض نفسه عليه وتبعث في الخفاء من يسر اليه أنها تريد قربه وترغب في زواجه والأقتران به .

= عاشت مع رسول الله أيام الشده وقاسمته المحنة فمسحت آلامه وأزالت أحزانه , آزرته وناصرته وأغرقته بدفئها وحنانها حتى صار بيتها له واحة سعادة ومنبع استقرار وأمان يجد فيه راحته واطمئنانه .

= حياة السيده المباركة الكريمة رضي الله عنها وأرضاها التي فضلها الله على نساء هذه الأمة كما فضل مريم على نساء العالمين :
ومعة راهب اسمه = نسطورا = فقال الراهب لميسرة وكان يعرفه : من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال ميسرة : رجل من قريش من أهل الحرم , فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط الا نبي .. انه هو .. هو .. آخر الأنبياء , فوعى ذلك ميسرة ثم باع رسول الله صلى الله عله وسلم سلعته في سوق بصرى وانصرف أهل العير جميعا .

= عاد رسول الله الى مكة , وكانت خديجة في عليّة لها ومعها نساء فرأت رسول الله حين دخل
مكة وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك , ودخل عليها الرسول عليه السلام وأخبرها بما ربحت تجارتها فسرت بذلك , فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت من أمر الملائكة واظلالهم للنبي فقال لها ميسرة: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام كما أخبرها بقول الراهن نسطورا . وربحت خديجة في تجارتها ضعف ما كانت تربح وأضعفت لرسول الله ضعف ما سمّت له , ولعلّ في هذا كله ارهاصات للنبوة ودلالات على كرامة محمد صلى الله عليه وسلم على ربه وعنايته سبحانه وتعالى به .

= الزواج الميمون :
سعدت خديجة بنبأ الرحلة المباركة وأعجبت برسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الاعجاب وازدادت فيه حبا وله احتراما لأمانته وحسن خلقه وشهامته وصدق حديثه , وتحركة العاطفة في فؤادها نحوه وبدأت الأفكار تراودها : لماذا لا تتزوج من محمد ؟ أليس هو الأمين صاحب الحسب والنسب , وعادت بها الذاكرة الى الوراء حين سمعت أحد اليهود يقول : يا معشر نساء قريش انه يوشك فيكن في بلكن نبي , فأيتكن استطاعت أن تكون له فراشا – زوجة – فلتفعل . وتذكرت ما أخبرها به غلامها ميسرة عن الآيات التي رآها والتي رأتها هي بنفسها , فقالت : ان كان ما قاله اليهودي حقا , ما ذاك الا ّ هو , تعني رسول الله , ثم هي امرأة خلية من الزوج شريفة حسيبة كثيرة المال محتاجة الى يد أمينة تديره وتنميه , فمن أولى من محمد أنبل فتى في قريش وأعقله وأعظمه أمانة وأكمله مروءة وهو خلي لم يتزوج بعد, فما يمنعها أن تكون زوجة له وهو زوجا لها , وقررت أن تنقل اليه رغبتها مع أحدى صديقاتها كجس نبض لتعرف مكانتها في نفسه.
= تقول نفيسة بنت منية وهي مقربة من خديجة : أرسلتني خديجة بنت خويلد دسيسا الى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت له : يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟ فقال : ما بيدي ما أتزوج به , قالت :كفيت ذلك ودعيت الى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قالت : خديجة , قال: وكيف لي بذلك , قالت : علي ّ , قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم : فأنا أفعل , فذهبت نفيسة فأخبرت خديجة وتزوجها رسول الله وهو ابن خمس وعشرين سنة وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة , ولدت قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة وشهد على هذا الزواج صناديد قريش , وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على زواجه بخديجة وقد شهدت حليمة السعدية عرس ولدها الذ أرضعته وفرحت خديجة فرحا شديدا وفرح عمه أبو طالب أشد الفرح وقال: الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب ودفع عنا الهموم . ونعم الزوجان المباركان بأطيب حياة زوجيه ومنحت خديجة رسول الله قلبها وأخلصت له حبها فكان صلى الله عليه وسلم يجد الى جانبها العطف والحنان والرقة والنعومة وأكمل الله لهما السعادة فرزقهما الأبناء والذرية = القاسم = وبه كان يكنى , ثم ولد له زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم , ثم ولد في الاسلام عبدالله فسمي = الطيب والطاهر = لآنه ولد بعد الوحي وأمهم جميعا خديجة رضي الله عنها وعنهم . وكان أول من مات من ولده القاسم ثم مات عبدالله بمكه فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع ولده فهو أبتر , فأنزل الله ( ان شانئك هو الأبتر ) . قال ابن عباس : ولدت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين واربع نسوة : القاسم وعبدالله وفاطمة وام كلثوم وزينت ورقية وكل بناته أدركن الاسلام وأسلمن هاجرن معه وكل ذريته صلوات الله عليه من خديجة الا ابراهيم من مارية القبطية التي أهداها اليه المقوقس .

شهدت خديجة الأيام الأولى لتنزل القران , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي الى بيتها بعد أن تم لقاء النور في غار حراء وهبط جبريل الى الأرض ونزل على رسول الله بالوحي وكلمات الله الخالدة , فكانت خديجة الى جانب النبي تآزره وتناصره وتقوي عزيمته وتثبت فؤاده , وكانت رضي الله عنها تلاحظ توجها ت النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل نزول جبريل في حراء , فكانت نعم المعين له لأنها كانت أعرف الناس بقدره وأعلمهم بعظمة رسالته وجلال نبوته. روى الأمام البخاري رحمه الله عن كيفية نزول الوحي وما صنعته خديجة لما حدثها رسول الله بذلك : فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحه في النوم فكان لا يرى رؤيا الاّ جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنت فيه . والتحنث – التعبد , - الليالي ذوات العدد حتى جاءه الحق وهو في غار حراء , جاءه الملك قال له : اقرأ , قال : ما أنا بقارى ء قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ , قلت : ما أنا بقارىء , فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ , قلت : ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثه ثم أرسلني فقال : أقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الأكرم , فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف بها فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد وأخبرها الخبر وقال: لقد خشيت على نفسي , فقالت له خديجة : كلا والله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم , وتحمل الكلّ , وتكسب المعدوم , وتقري الضيف , وتعين على نوائب الحق , فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن عم لها وكان قد تنصر في الجاهلية فأخبره رسول الله خبر ما رأى فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل على موسى , ياليتني فيها جذع , ليتني أكون حيا اذ يخرجك قومك , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجيّ هم ؟ قال نعم , لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الا عودي وان يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي " .
= خديجة تتثبت من أمر الوحي :
روى البيهقي أن خديجة رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بيّنه مما أكرمه الله به من نبوته : يا بن عم , تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك اذا جاءك – تعني جبريل – فقال : نعم , فقالت : اذا جاءك فأخبرني . فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذ جاء جبريل فرآه رسول الله فقال : يا خديجة هذا جبريل فقالت: أتراه الان قال : نعم , قالت :
فاجلس الى شقي الأيمن , فتحول فجلس , فقالت : أتراه الآن ؟ قال : نعم , قالت : فتحول فاجلس في حجري , فتحول فجلس في حجرها فقالت : هل تراه الآن ؟ قال : نعم , فتحسرت رأسها فشالت خمارها ورسول الله جالس في حجرها فقالت : هل تراه الآن ؟ قال : لا , قالت : ما هذا بشيطان , ان هذا الملك يا ابن عم فاثبت وابشر ثم آمنت به وشهدت أن ما جاء به هو الحق .

= وشرح الله صدر خديجة وأضاء جوانب نفسها ونور قلبها وبان الحق أمامها واضحا وتأكدت من صدق زوجها وما يخبر به عن ربه فسارعت الى الأيمان والتصديق برسالته عن اقتناع وروية وحازت بذلك شرف السبق لأن تكون أول المؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم من النساء , وكان أول المؤمنين من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومن الغلمان علي ابن أبي طالب كرم الله وجه ومن الموالي زيد بن حارثة رضي الله عنهم وأرضاهم .

= وتوالى نزول الوحي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى على أمر ربه رغم ما يلقي من قومه من الخلاف والأذى وآمنت به خديجه بنت خويلد وصدقت بما جاء به من عند الله وآزرته على أمره فخفف الله بها عن نبيه . فكلما كذبه الناس وردوا عليه ما جاءهم به من عند الله , كانت خديجه تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس رضي الله عنها وأرضاها , فاستحقت بذلك أن تنال الشرف العظيم والمنزلة الرفيعة وبشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب . وكانت خديجة أول من صلى مع رسول الله حين افترضت الصلاة ركعتبين في الغداة وركعتين في العشي وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الاسراء .

= وجاء الأمر الالهي للرسول صلى الله عليه وسلم بانذار الناس ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) فاستجاب الرسول الكريم لأمر ربه وأعلنها صرخة مدوية في وجو الملأ من قريش = اني نذير لكم بين يدي عذاب شديد = . قولوا لا اله الا الله تفلحوا , ونادى زوجته الحبيبة فقال : لقد مضى عهد النوم والراحة يا خديجة , فقد أمرني جبريل أن أنذر الناس , ولقد لقي رسول الله في سبيل تبليغ رسالته والنهوض بدعوته أشق ما وعى التاريخ من أذى واضطهاد , فلم تكن قريش بالتي ترضى أن يعيب محمد دينها ويسفه أحلامها ويحقر آلهتها المزعومة ووقفت خديجة رضي الله عنها الى جانبه تنصره وتشد أزره وتعينه على احتمال أقسى ضروب الأذى والأضطهاد سنين عددا .

ولما قضت قريش على بني هاشم وبني المطلب بالخروج من مكة الى شعب أبي طالب معلنة عليهم حربا مدنية لا ترحم وفارضة عليهم حصارا اقتصاديا مهلكا مسجلة ذلك كله في صحيفة علقت في جوف الكعبة . كانت خديجة رضي الله عنها الى جانب رسول الله تشاركه الآمال والالام ودخلت الشعب معه وقد أثقلتها الشيخوخة والثكل والاضطهاد , وأقامت مع زوجها صلى الله عليه وسلم ثلا ث سنين في شعب أبي طالب صابرة راضية متحملة عنت الحصار الظالم وجبروت الوثنية الطاغية .

عام الحزن :
ما أن تخطى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام المحنة والشدة وفك الحصار الظالم عنهم , حتى كانت الالام تبرح بجسد السيدة خديجة رضي الله عنها , فقد شارفت على الخامسة والستين ولزمت الفراش لثقل مرضها , وكان النبي الكريم والزوج الوفي الى جانبها يمرضها ويؤنسها ويزف لها البشرى بما أعده الله لها من نعيم مقيم وما هي الاّ أيام قلائل حتى فاضت روحها الطاهره ورجعت نفسها المطمئنة الى ربها راضية مرضية بعد أن قضت أربعة وعشرين عاما الى جانب زوجها الذي تحمل في سبيل دعوته كل صنوف الأذى وأنواع العذاب . وكانت له في كل هذه المدة سكنا وأنسا وملاذا , وتلفت النبي صلى الله عليه وسلم حوله فاذا الدار بعدها موحشة والدنيا مظلمة , فقد لحقت الحبيبة بالرفيق الأعلى , وحزن حزنا عميقا على فراقها وظلت خديجة ماثلة في حياة النبي يذكرها بخير ويثني عليها وسمّى العام الذي ماتت فيه = عام الحزن = . وكانت وفاة خديجة قبل الهجرة بثلا ث سنين بعد الخروج من حصار شعب أبي طالب بأشهر في شهر رمضان , ودفنت في الحجون ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في قبرها ولم تكن شرعت بعد الصلاة على الجنائز . وقال ابن اسحق : أن خديجة وأبا طالب عم النبي ماتا في عام واحد , فتتابعت على رسول الله المصائب بموت خديجة التي كانت له وزير صدق على الاسلام يشكو اليها . وبموت عمه أبي طالب الذي كان له عضدا وحرزا في أمره ومنعة وناصرا على قومه . ولما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله من الآذى مالم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى أن سفيها من سفها ء قريش أعترضه ونثر ترابا على رأسه فقامت اليه أحدى بناته فجعلت تغسل التراب وهي تبكي فقال لها : لا تبكي يا بنية فان الله مانع أباك .

الحب والوفاء :
= لقد كان تخديجة تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا كبيرا باذلة كل الجهد لابعاد الأذى النفسي والجسدي عنه بكل ما تملك من عقل نير وفكر ثاقب وفطرة نقية , وطيلة حياتها مع النبي لم تسمعه كلمة سوء ولم ير منها تصرفا شائنا أو عملا نابيا ومرت عليها الأعوام والسنون وهي تعظمه وتحترمه وتوقره لا يرى منها الا الخير ولا يسمع الا الكلمة الحلوه والعبارة المهذبة . ومن شدة حبها له صلى الله عليه وسلم كانت تخشى عليه رجال السوء وطواغيت الشرك من أن ينالوه بأذى أو يوصلوا اليه الضر .. لقيها جبريل في صورة رجل فسألها عن النبي فهابته وخشيت أن يكون ممن يريد أن يغتاله فلما ذكرت ذلك للنبي قال لها هو جبريل , وقد أمرني أن أقرأ عليك السلام , وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب , ومن شدة طواعيتها للنبي قبل البعثة أنها رأت ميله الى زيد بن حارثة حين كان زيد في ملكها فوهبته له صلى الله عليه وسلم فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق الى الاسلام حتى قيل أنه أول من أسلم مطلقا .

= وكان مما كافأ النبي به خديجة رضي الله عنها في الدنيا أنه لم يتزوج في حياتها غيرها . وفي هذا دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها فصان بذلك قلبها من الغيرة ومن نكد الضرائر .

= الفضل والذكرى :
ظل النبي صلى الله عليه وسلم وفيا لخديجة طيلة حياته يذكرها ويمدحها حتى بعد أن بعد عهده وتزوج غيرها , فهي صاحبة القدر العظيم والمكانة المرموقة , وهي سيدة نساء هذه الأمة , قال صلى الله عليه وسلم :" لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين "
وقال : " خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة " كيف لا وهي التي اقرأها ربها السلام وهو فضل لم تشاركها فيه امرأة من بنات حواء , وهي التي بشرها جبريل ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب . وتقول السيده عائشة رضي الله عنها : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرب على خديجة وما رأيتها . ( لأن رسول الله تزوجها بعد موت خديجة بثلاث سنين ) ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة , فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا الاّ خديجة فيقول : انها كانت وكانت وكان لي منها ولد . وقال أبو نجيح : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جزور أو لحم , فأخذ عظما منها فقال : اذهب بهذا الى فلانة , فقالت عائشة : لم غمرت يدك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم مغضبا : ان خديجة أوصتني بها , فغارت عائشة وقالت : لكأن ليس في الأرض امرأة الا خديجة . فقام رسول الله مغضبا فلبث ما شاء الله ثم رجع فاذا أم رومان أم عائشة , قالت : يا رسول الله مالك ولعائشة .. انها حدثة وانك أحق من تجاوز عنها , فأخذ بشدق عائشة وقال : الست القائلة : كأنما ليس على الأرض امرأة الا خديجة ؟ والله لقد آمنت بي اذ كفر قومك , ورزقت مني الولد وحرمتموه " . وقالت عائشة رضي الله عنها : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذبح الشاة يقول : أسلوا بها الى أصدقاء خديجة , قالت : فأغضبته يوما فقلت : خديجة ؟ فقال رسول الله :" اني قد رزقت حبها " .

= واستأذنت يوما هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال : " اللهم هالة , تقول عائشة فغرت فقلت : وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها ؟ .

= ولكن .. هل أبدله الله خيرا منها حقا ؟ ان الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب عائشة على ذلك فيقول : ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها فقد آمنت بي اذ كفر بي الناس , وصدقتني اذ كذبني الناس , وواستني بمالها اذ حرمني الناس . ورزقني الله عز وجل ولدها اذ حرمني أولاد النساء " .
= وعن عائشة رضي الله عنها : جاءت عجوز الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي فقال لها : من أنت ؟ فقالت جثامة المزنية , قال : أنت حسانة , كيف أنت ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا , قالت : بخير بأبي أنت , فلما خرجت قلت : يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الاقبال
قال : " انها كانت تأتينا زمن خديجة , وان حسن العهد من الأيمان " .